Posted by: Wael Hamadeh | 1 نوفمبر 2010

مثالب النظام الانتخابي الأمريكي: لمصلحة من؟

غداً الانتخابات النصفية الاميركية التي سيجري فيها إعادة انتخاب مجلس النواب بكامله (435 نائباً) فضلاً عن 34 عضواً من أصل 100 في مجلس الشيوخ و36 حاكم ولاية من أصل 50.  وكنت قبل عامين من الآن وقبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية التي فاز بها الرئيس أوباما كتبت مقالاً أنتقد فيه النظام الانتخابي الأميركي وأبين مواضع الخلل والقصور فيه لأصل إلى نتيجة مفادها أن على الولايات المتحدة الأميركية بذل جهد أكبر في إصلاح نظامها الانتخابية الذي يؤثو أثراً بالغاً على حقيقة المحتوى الديمقراطي لنظامها السياسي قبل أن تلبس ثياب الواعظ الكوني محدثة العالم عن مناقب الديمقراطية ومزاياها.

كان ذلك المقال قبل عهد التدوين واليوم أجد الفرصة سانحة لإعادة نشره بالتزامن مع الانتخابات النصفية، فهاكم المقال:

======================================

مثالب النظام الانتخابي الأمريكي: لمصلحة من؟


31 تشرين أول/أكتوبر 2008

بضعة أيام فقط تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأمريكية.  ولقد حفلت وسائل الإعلام بتغطيات واسعة مفصلة للحدث شملت نتائج استطلاعات الرأي وتوقعات المراقبين وتحليلات تناولت الفروق في البرامج الانتخابية بين أوباما وماكين على الصعيدين الداخلي والخارجي وأثر الأزمة الاقتصادية الأخيرة على حظوظ المرشحين وحزبيهما من ورائهما والسياسات المتوقعة لكلا المرشحين في منطقة الشرق الأوسط.  هذا فضلاً عن سيل جارف من الأخبار المتعلقة بحركات وسكنات وهفوات ومقابلات ومناظرات المرشحين ونائبيهما وسماتهم الشخصية والمحطات اللافتة في مسيراتهم السياسية.  ولعل الغرق في هذه التفاصيل (دون التقليل من أهميتها) يصرف التركيز عن بنية النظام الانتخابي الأمريكي وآلياته وهي جديرة بالتوقف عندها وتسليط الأضواء عليها، فقد توفر منظوراً إضافياً يعين على فهم النتائج المتوقعة المترتبة على فوز أي من المرشحين يوم الثلاثاء القادم.

ثمة من يعتقد بعدم وجود فروق جوهرية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري أصلاً، فأمريكا، بحسب المفكر الأمريكي المعروف نوام تشومسكي، يحكمها حزب واحد هو حزب كبار الملاك ورجال الأعمال وهو في نهاية المطاف يمثل بوجهيه الجمهوري والديمقراطي مصالح طبقة النخبة الاقتصادية المتنفذة بغض النظر عن البلاغة الإنشائية التي تطفح بها خطابات المرشحين وبرامجهم الانتخابية عن قيم الديمقراطية الأمريكية الراسخة التي تعكس حرية أفراد الشعب الأمريكي ورغباته وتطلعاته.

ولهذا الرأي شواهد قديمة قدم الدستور الأمريكي نفسه الذي استثنى في نسخته الأولى الهنود الحمر والسود والنساء وحتى البيض الذين لا يملكون عقاراً من حق التصويت.  ولا شك أن النظام السياسي في أمريكا قطع شوطاً كبيراً منذ ذلك الحين، ولكن السمة النخبوية لا تزال كامنة بين ثناياه، فجميع المكتسبات الإنسانية التي تحققت على مستوى الحقوق السياسية والمدنية للشرائح الاجتماعية المستبعدة ابتداءً والتي تمثل غالبية الشعب جرى نيلها بعد تضحيات جمة ونضال طويل من قبل هذه الفئات استغرق ما يقرب من 190 سنة.  ولكن كل تنازل قدمته النخبة الحاكمة تحت وطأة الضغط الشعبي ترافق مع جملة إجراءات قانونية وتشريعية معقدة كفلت استيعاب الحركة الشعبية المطلبية مع بقاء زمام الأمور، إلى حد كبير، في أيديها.

ولعله من المفيد أن نستعرض فيما يلي بعض معالم النظام الانتخابي الأمريكي التي قد تشي بصورة مغايرة للصورة الوردية المستقرة في أذهان الكثيرين عن مدى نجاعة وتقدم هذا النظام وملاءمته للتمثيل الشعبي الحقيقي:

1)    انتخاب الرئيس ونائبه في أمريكا يجري من خلال آلية تدعى بالمنتدى الانتخابي (أو المجمع الانتخابي Electoral College) والذي يتكون من 538 صوتاً انتخابياً تمثل 435 صوتاً هي مجموع عدد أعضاء مجلس النواب الأمريكي، 100 صوتاً هي عدد أعضاء مجلس الشيوخ و3 أصوات عن مقاطعة كولومبيا (أي واشنطن العاصمة المستقلة إدارياً عن جميع الولايات.)

2)    سكان واشنطن العاصمة (مقاطعة كولومبيا) الذين يربو عددهم عن نصف مليون نسمة ليس لهم تمثيل في الكونغرس إلا عبر عضو مراقب في مجلس النواب لا يحق له التصويت، ومثلهم في ذلك كمثل سكان المناطق الملحقة إدارياً بالولايات المتحدة كبورتوريكو وغوام، ولكن خلافاً لهذه المناطق، فإن سكان العاصمة يخضعون لكافة القوانين الضريبية الفيدرالية.  بل لم يكن لسكان العاصمة الحق في المشاركة في الانتخابات الرئاسية أيضاً حتى وقت قريب عندما أقر الكونغرس الأمريكي التعديل الدستوري الثالث والعشرين عام 1960 الذي يمنح مقاطعة كولومبيا أصواتاً انتخابية في المنتدى الانتخابي على نفس قاعدة النسبة السكانية التي تعامل على أساسها الولايات، على أن لا تزيد هذه الأصوات الانتخابية عن أصغر حصة ولاية في المنتدى.  وقد صادقت ثلاث أرباع الولايات على ذلك التعديل في خلال سنة من صدوره الأمر الذي وضعه موضع النفاذ بحسب الدستور في عام 1961 وكانت أول مشاركة فعلية لقاطني العاصمة واشنطن في انتخابات 1964 الرئاسية بثلاثة أصوات انتخابية.

3)    الانتخاب يجري وفقاً لقاعدة أن الولاية تعتبر دائرة انتخابية واحدة والمرشح الفائز فيها يحصد جميع أصواتها الانتخابية بصرف النظر عن نسبة الأصوات الشعبية التي ظفر بها في تلك الولاية.  فلو فرضنا أنه فاز في ولاية كاليفورنيا (الولاية الأكثر سكاناً حيث يزيد عدد سكانها عن 36 مليون نسمة) بفارق صوت شعبي واحد فقط فإنه يحصل على 55 صوتاً انتخابياً دفعة واحدة من أصل 538 مقابل لا شيء لغريمه!!

4)    تتزامن الانتخابات التشريعية للكونغرس الأمريكي بغرفتيه مع الانتخابات الرئاسية حيث يجري انتخاب كامل أعضاء مجلس النواب لمدة سنتين وعددهم عن كل ولاية يتناسب مع عدد سكانها، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ لمدة ست سنوات بحيث تتمثل كل ولاية من الولايات الخمسين بعضوين في المجلس (يجري انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ كل سنتين متزامنة مع انتخابات مجلس النواب.)

وفقاً لهذه القواعد في الانتخابات الرئاسية فإن وزن الصوت الشعبي الواحد في الولايات المكتظة سكانياً مثل كاليفورنيا أو نيويورك مثلاً يصبح أقل من مثيله في الولايات ذات الكثافة السكانية المنخفضة كوايومنغ أو ألاسكا وهذا ينتهك المبدأ الديمقراطي الأساسي “شخص واحد، صوت واحد.”  ويساق هنا التبرير بأن هذا النظام يمنع من إهمال الولايات الصغيرة حجماً ولكن هذا التبرير يتهافت على أرض الواقع فاحتساب نتائج كل ولاية على حدة بنظام الفائز يحصل على جميع الأصوات الانتخابية للولاية يجعل هذه الولايات الصغيرة عرضة للإهمال تلقائياً لأن نتائج معظمها محسومة سلفاً حسب استطلاعات الرأي.  فنظراً لعدم اعتماد نتائج الانتخاب في كل ولاية على أساس التمثيل النسبي على مستوى الجمعي فإن السباق الانتخابي يقتصر فقط على بضعة ولايات متأرجحة (Swing or Battle Ground States) حيث تتقارب نتائج استطلاعات الرأي كفلوريدا وأوهايو اللتين حسمتا الانتخابات الأخيرة لمصلحة بوش على غريمه كيري.

واليوم فإن فلوريدا وأوهايو بالإضافة إلى أربع ولايات أخرى هي نورث كارولينا، إنديانا، ميسوري ونيفادا (أي 12% فقط من مجموع 50 ولاية) تشكل ساحة النزال الفعلية!!  وجدير بالذكر أن 60,000 صوتاً فقط في أوهايو كانت كفيلة بقلب نتائج انتخابات 2004 لمصلحة كيري رغم أن بوش تفوق في مجموع أصوات الناخبين الشعبية بـ 3 ملايين صوتاً!!  أما في عام 2000 فقد خسر آل غور الانتخابات على الرغم من تفوقه على بوش في الأصوات الشعبية بأكثر من نصف مليون صوت!

كما لا يشترط للمرشح الحصول على أكثرية في الأصوات الشعبية طالما أنه استطاع أن يحصد 270 صوتاً انتخابياً في المنتدى الانتخابي وقد فاز كلينتون على بوش الأب بـ 43% فقط من الأصوات الشعبية في انتخابات 1992 نظراً لمشاركة مرشح مستقل ثالث في الانتخابات هو روس بيرو.

وفي انتخابات مجلس الشيوخ يغدو التباين في وزن الصوت الشعبي بين ولاية وأخرى أكثر وضوحاً وإمعاناً.  فعدد سكان كاليفورنيا يبلغ 70 ضعفاً مقارنة بعدد سكان وايومنغ مثلاً وكل من الولايتين ممثلة بعضوين في مجلس الشيوخ.  وإذا علمنا أن مجلس الشيوخ هو الغرفة ذات السلطات والصلاحيات الأوسع مقارنة بمجلس النواب فإن ذلك ينطوي على نتائج خطيرة!!  فمجموع سكان الولايات السبعة عشر الأقل سكاناً في أمريكا لا يتجاوز 7% من إجمالي عدد السكان وهم ممثلون في مجلس الشيوخ بـ 34 عضواً يستطيعون تعطيل تمرير أي تعديل دستوري أو المصادقة على أية معاهدة تبرمها الإدارة الأمريكية لأن كلا الأمرين بحاجة إلى ثلثي أصوات المجلس بحسب الدستور الأمريكي.  بل إن نصف أعضاء المجلس يمكن انتخابه من قبل 15% فقط من عدد السكان يقطنون في الولايات الـ 25 الأقل سكاناً الأمر الذي يمنحهم عملياً ما يمكن أن يؤول إلى حق فيتو معطل لأي قانون يقر من قبل مجلس النواب!!

الأدهى من ذلك، أن الوجه الحضاري المشرق الذي تُسَـِّوقه أمريكا للعالم والمتمثل في التنوع العرقي والديني والمذهبي ينحسر انحساراً كبيراً في الولايات قليلة السكان حتى إنه ليكاد ينعدم في بعضها!!  صحيح أن ولايات مثل كاليفورنيا ونيويورك وتكساس وفلوريدا تزخر بثراء وتنوع شرائح المجتمع ولكن وايومنغ وأيداهو ونبراسكا وداكوتا الشمالية والجنوبية تكاد تكون لوناً واحداً وديناً واحداً ومذهباً واحداً. فهل هذه آليات انتخابية لائقة بنظام يرفع لواء الديمقراطية خفاقاً عالياً في محافل العولمة الدولية ويزعم لنفسه موقع القيادة والريادة في مشروع إعانة الشعوب على الخلاص من الظلم والاستبداد؟

قوانين الانتخابات الرديئة هذه لم تأتِ من فراغ وليست وليدة الصدفة.  إنها محصلة عاملين رئيسيين من عوامل تكوين أمريكا ونشأتها.  العامل الأول هو التيار الجارف للمعتقدين بنجاعة الأنموذج الديمقراطي النخبوي في الحكم داخل الطبقة السياسية الأمريكية ابتداءً بجون جاي، أحد “الآباء المؤسسين” وثالث ثلاثة دوَّنوا المقالات المشهورة التي باتت تعرف في الموروث السياسي الأمريكي بـ “الأوراق الفيدرالية” (Federalist Papers) بعد انعقاد المؤتمر الدستوري التأسيسي، عندما صرح فيها أن الطبقات العليا في المجتمع هي “النوعية الأجود” وأن “من يملك البلاد فعليه أن يحكمها” وصولاً إلى الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون الذي قرر أنْ لا رأي معتبراً في شأن الحكومة لعامة الناس من “السود والبيض والمكسيكيين والباقين جميعاً لأنهم لا يتمتعون بالملكات الفكرية اللازمة للمعرفة.”

أما العامل الثاني فهو الصفقة التي خلص إليها “الآباء المؤسسون” بعد جولات شاقة من المفاوضات والمساومات في المؤتمر الدستوري التأسيسي.  فمجلس الشيوخ مختل التمثيل الشعبي ونظام المنتدى الانتخابي لانتخابات الرئاسة يمثلان صمام الأمان الذي نجح ممثلو ولايات الجنوب، المصرة على حماية قوانين الرق الحيوية لمصالحهم الاقتصادية، في حشره في الدستور لمنع أي قوانين مستقبلية قد تهدد هذه المصالح.  وقد نجح صمام الأمان هذا نجاحاً باهراً، فما بين عام 1800 وعام 1860 قام مجلس الشيوخ بإجهاض ثمانية مشاريع قوانين مناهضة لنظام الرق أقرها مجلس النواب.  ولم ينته العمل (دستورياً على الأقل) بهذا النظام البائد البائس إلا بعد حرب أهلية طاحنة كان سببها الرئيس تناقض في المصالح بين النخب المتنفذة في الجنوب والشمال ونجم عنها إنهاء الرق كنتيجة ثانوية.  أما ممارسات التمييز العنصري ضد السود فاستمرت قرناً كاملاً بعد ذلك قبل أن تصبح مخالفة للقانون!!

مجمل ما تقدم يفضي إلى نتائج جديرة بالتأمل والدراسة قد تلقي ظلالاً من الشك حول مصداقية العملية الانتخابية برمتها ومدى تمثيلها لرأي الشعب.  فالنظام الانتخابي الأمريكي في نسخته الحالية والتي لم يطرأ عليها تطورات نوعية تذكر منذ نشأة أمريكا قبل أكثر من 200 سنة يفضي عملياً إلى عاقبتين رئيستين الأولى استبعاد أكبر قدر ممكن من المشاركة الشعبية والثانية تضخيم العراقيل في وجه صعود نجم حزب ثالث يمثل التطلعات الشعبية للأمريكيين تمثيلاً حقيقياً.  ففي معظم الولايات تجد قدراً كبيراً من الإحباط لدى الناخبين بسبب شعورهم بعدم جدوى مشاركتهم في العملية الانتخابية فإما النتائج محسومة سلفاً لطرف أو آخر بسبب القانون الانتخابي أو أن المرشحين لا يمثلان حقيقة تطلعاتهم، وإذا صوتوا يكون تصويتهم ضد مرشح أكثر مما هو لمصلحة مرشح (كما هو حاصل الآن بسبب الأزمة الاقتصادية.)  وهذا ما ينجم عنه مستويات مشاركة متدنية للغاية تراوح حول 50% من عدد الناخبين فقط يخول أمريكا لاحتلال المرتبة 138 بين 170 من دول العالم بحسب تقرير معهد الديمقراطية والدعم الانتخابي، تسبقها وتعقبها أرمينيا ونيجيريا (نعمت الصحبة!)  وهي من أدنى نسب المشاركة المسجلة في انتخابات الدول الغربية الرئيسية التي تدعي وصلاً بالديمقراطية وتبشر بنشرها في العالم بصفتها نهاية الصيرورة التاريخية الحتمية للنظم السياسية!!

ومن المفارقات اللافتة أن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية التي فازت فيها حماس مثلاً في الأراضي المحتلة بداية 2006 قاربت 80%، وفيما تستمر الولايات المتحدة في محاولتها تخريب العملية السياسية الفلسطينية التي انبثقت عن انتخابات شهد العالم كله بنزاهتها، وذلك عبر إحكام الحصار الإقليمي والدولي الجائر والتحريض والإشراف المباشر على الحملة الأمنية الشرسة التي تشنها أجهزة سلطة رام الله في الضفة على حماس مؤسساتٍ وأفراداً، فضلاً عن الضغط السياسي من خلال مصر من أجل فرض نظام انتخابي يعتمد آلية التمثيل النسبي الكامل (بدلاً من النظام المختلط) على أجندة الحوار الفلسطيني الذي ترعاه ظناً منهم أن ذلك يقلل من فرص حماس في أية انتخابات مستقبلية، يقوم المشرعون في أمريكا بالتغاضي عن الدعوات الشعبية المتتالية والتي تتبناها مؤسسات المجتمع المدني الأمريكية لاعتماد نفس النظام في الانتخابات التشريعية الأمريكية ولإلغاء نظام المنتدى الانتخابي والدوائر الانتخابية المتمثلة بالولايات واعتماد نظام الانتخاب الشعبي المباشر على المستوى الوطني في الانتخابات الرئاسية.  لماذا؟  لأن الحزبين الجمهوري والديمقراطي لا يؤاتيهما زيادة المشاركة الشعبية عن الحد الذي يضفي الشرعية المطلوبة على العملية الانتخابية دون دور فاعل قد يفضي إلى بروز حزب ثالث ذي بال (فالأحزاب الصغيرة والمجهرية كثيرة في أمريكا) على الساحة الانتخابية يهدد مصالح النخبة الاقتصادية المهيمنة والتي تطبق قبضتها بإحكام على خناق الحزبين معاً.  هذا مع العلم أن مشروع تعديل دستوري يتبنى تلك الاقتراحات الإصلاحية للنظام الانتخابي طرح مرات عديدة ولكنه فشل في كل مرة في الحصول على موافقة الكونغرس بمجلسيه.

إذا أضيف إلى ما تقدم أن العملية الانتخابية أصبحت اليوم تتطلب أموالاً طائلة (بلغ الأموال التي جمعتها حملة بوش في 2004 أكثر من 300 مليون دولار وبلغت الأموال التي جمعها أوباما في حملته الحالية أكثر من 150 مليون دولار خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي فقط) كما تتطلب دوراً فاعلاً لوسائل الإعلام التي تمتلك الشركات العملاقة التيار السائد المهيمن منها تبين أن ترسيخ نظام الحزبين القائم والمحافظة على شبكة القوانين والتشريعات الانتخابية التي تحيط به وتحصن مفرداته البالية التي عفا عليها الزمن وتجعلها في حرز من التغيير والتبديل والتحديث هو مصلحة محضة لرأس المال الذي يختزل تمثيل الأمة الأمريكية ومشاركتها السياسية في مالكيه ويهمش أي دور فاعل عملياً لفئات المجتمع الأخرى على الرغم من تمتعهم بكامل حقوقهم السياسية المنصوص عليها في الدستور.

فهل نعجب بعد ذلك من التوافق الدافئ والتطابق الودود في المواقف بين مرشحي الحزبين من خطة الإنقاذ المالي التي أقرها الكونغرس، وذلك على النقيض تماماً من سمة التناقض والجدل الغالبة بين المرشحين وتبادل الاتهامات والتشهير الذي يميز العلاقة بينهما عندما يتعلق الأمر بجوانب تمس المواطن الأمريكي العادي؟  يأتي ذلك التوافق المريب فيما وقع خمسون من علماء الاقتصاد المرموقين على عريضة تنتقد الخطة انتقاداً لاذعاً وتعتبرها بمثابة هدية مجانية للطرف المتسبب في الأزمة المالية أصلاً.

وفي حين تجتاح آمال التغيير الكثير من الناخبين في أمريكا والمترقبين لنتائج الانتخابات حول العالم في ضوء التقدم الكبير لأوباما على ماكين في استطلاعات الرأي فإن تاريخ وواقع وبنية النظام الأمريكي المستقلة عن الأشخاص لا تبشر بخير كثير.  إن التعاطف الكبير الذي يلقاه أوباما حول العالم بسبب كونه مرشحاً أقلوياً ذا بشرة داكنة يجسد على الأرض طموحات المضطهدين والمظلومين حول العالم يبدو مفهوماً ومبرراً ولكن أوباما للأسف ليس داكناً بالقدر الكافي ليمثل معاناة ومطالب هؤلاء في أمريكا أو في العالم، لا لأن أمه بيضاء خالصة بل لأن عقيدته السياسية التي يعتنقها نخبوية بيضاء وممارساته السياسية التي أوصلته إلى ما هو فيه نخبوية بيضاء وولاؤه للمؤسسة التي احتضنته ورعته ثم دفعت به إلى مقدمة الصفوف نخبوي أبيض ناصع البياض.

وعلى الإدارة الأمريكية القادمة أياً كان توجهها أن تبادر فوراً عبر أعضاء حزبها في الكونغرس بإيلاء اهتمام أكبر لإصلاح نظامها الانتخابي البالي والمهترئ حتى يتساوق مع الشعارات والقيم والمبادئ التي تدعو الآخرين عبر العالم لتبنيها واعتناقها ولو عبر تجريعهم إياها بواسطة بساطير العسكر وسبطانات المدافع.


أضف تعليق

التصنيفات